هناك نوعيات مختلفة للمدربين، و الإيطالي كارلو أنشيلوتي ليس من أولئك الذين يضع أسماء معينة في مخيلته يبني من خلالها خططه، أو لاعبين يطلبهم شخصيا في السوق من الإدارة، فهو يعمل مع الموجود و لا يحرم اي إسم من المتواجدين من اللعب، بل أنه لا يضع أبداً لاعبين خارج مخططاته، هو عفوي مع الجميع ، وقريب جدا من كل اللاعبين، و هذا يعتبر واحداً من أسرار نجاحه في كل الأندية التي درّبها…
جمهور ريال مدريد، أو فئة منه على الأقل تنتقد الإيطالي و تعتبره “مسالماً جدّا” مع إدارة فلورنتينو بيريز، فهو بالنسبة لهم عاد للتواجد في القمّة بعد أن تهاوت أسهمه في الفترة السابقة و عرفت مسيرته بعض التراجع، فمنذ أن غادر الريال سنة 2015 و ذهب بعد ذلك للبايرن، ثم درّب نابولي قبل أن يحط الرحال في إيفرتون، و هو بالتالي مدين للرئيس بيريز الذي أعاده للمنافسة على الألقاب، و هو بالمناسبة لا يخفي ذلك و يقولها جهرا أمام الجميع…
عندما استلم أنشيلوتي ريال مدريد صيف 2021 كان الجميع ينتظر ثورة في الفريق، لكن الظروف الاقتصادية المرتبطة بتداعيات جائحة كورونا و مشروع البيرنابيو الجديد الذي يشفط ميزانية النادي شفطا جعلت النادي لا يدخل الميركاتو، فرغم خروج راموس و فاران قلبي الدفاع الأساسيين لما يفوق الثمان سنوات، لم ينتدب النادي إلا آلابا مجانا و أعاد فاييخو من الإعارة إلى جانب “الاحتياطي الأبدي” ناتشو، و الأخيران كما يعلم الجميع ليسا بمستوى فريق عُملته الأولى هي المنافسة على الألقاب… أما في وسط الميدان، فقد جيء بشاب إسمه كامافينغا لا زال لديه ما يثبته، في الوقت الذي كان الجميع وقتها يعرف أن ثلاثي وسط الميدان الأسطوري، كروس و مودريتش و كاسيميرو، قد استنزف و وصل ربما لنهاية مغامرته مع الملكي… أما في الهجوم، فاستمر بنزيمة كرأس حربة دون مُعوّض في المستوى، يوفيتش لم يصل أبدا لمستواه الذي كان يقدمه مع فرانكفورت، و ماريانو الذي لا يريد المغادرة و يكفيه أن يلعب بضع دقائق في الموسم ليس مهاجما بقيمة الميرنغي…
لكن الذي وقع هو أن هذه التشكيلة “المتهالكة” استطاعت تحقيق السوبر المحلي و الليغا و دوري الأبطال بعد مسار أسطوري كان الفريق يعود فيه من بعيد في كل مرة، الرابعة عشرة تتحقق بعد أن كان أكبر المتفائلين من جماهير النادي يعتبرون تجاوز دور الربع إنجازًا، قياسا على ما سبق ذكره…
في الموسم الذي سيبدأ بعد أسبوعين أو ثلاثة، عادت الانتقادات سريعا بعد أول هزيمة ودّية ضد برشلونة في كلاسيكو لاس فيغاس، و عادت الأصوات لتتعالى بإلزامية دخول الميركاتو و جلب لاعبين يعززون التشكيلة، و إن كان الدفاع قد تعزز بقدوم روديغر المُجرب و الوسط بالفرنسي الواعد تشواميني، فإن الهجوم يبقى ضعيفا بحكم انعدام العمق في الدكّة…!!!
أنشيلوتي سيشرك ماريانو إذا بقي، و المهاجم المغمور يعرف هذا جيدا ، ويعرف أن المدرب لن ينزله للفريق الرديف ، بل إنه مستعد لأن يتركه كبديل طوارئ لبنزيمة دون التعاقد مع أي مهاجم، و هذا رأي الإدارة الذي سيوافق عليه المدرّب دون أدنى شك .
و عندما سألته الصحافة عن رأيه في سيبايوس و آسينسيو قال الإيطالي أنه لا مشكلة لديه في بقاءهما ، و أن الإدارة هي من تقرر….!!! طيب، ماذا عن خياراتك الفنية؟ هل يخدمها الرّجُــلان أم أن القرار الفني ايضا يعود للإدارة؟؟؟؟ أودريوزولا و ماريانو و آسينسيو إذا خرجوا لا مشكلة، و سيأخذون فرصتهم بشكل عادي مثلهم مثل الجميع حال بقاءهم….!!! هكذا يقول و هكذا يفكّر…
أنا هنا لا أنتقد كارلو الذي أراه شخصيا أنجح مدرب في تاريخ كرة القدم، و أرقامه التي لا تكذب تؤكد رأيي، لكنني أتحدث عن شخصيته وعن افكاره، فهو ليس المدرب المتطلب في السوق، و كما قلت في بداية المقال هو لا يضع اسماء معينة لتطوير التشكيلة ، بل يسعى لتطوير الموجود خدمة لمصالحه الفنية…
في الدفاع قد تكون هناك مشكلة سنرى كيف سيتعامل معها المدرب، تعاقد الإدارة مع المدافع روديغير، فالنمساوي آلابا سيبقى في العمق و لا يريد اللعب كظهير أيسر، هذه آخر التسريبات… فهل سنخرج عن الواقع ونجد آلابا في وسط الدفاع و روديغير ظهير ايسر كما لعب في الكلاسيكو الأخير، أم أنه سيلجأ لتغيير كلي للخطة إلى 3-5-2؟؟؟ سننتظر لنرى…
في خط الوسط، سيكون الإيطالي أمام “مشكلة أغنياء”: تشاوميني الذي جاء بمائة مليون يورو، و الذي انضاف لمواطنه كامافينغا الذي يتطور بشكل رهيب، و فالفيردي القطعة التي لا غنى عنها… دون إغفال روعة و أناقة سيبايوس التي جعلت كل عشاق الريال يغرمون بتحركاته، و بالطبع ثلاثي خط الوسط الأسطوري والعطاء الذي لا يتوقف….
أما في الهجوم، فهناك القائد الملهم بنزيمة وحيدا دون بديل، فينيسيوس مع هازراد يسارا، رودريغو مع آسينسيو يمينا، فهل ستكون هناك تعاقدات جديدة؟ الأخبار تتحدث عن تواجد مهاجم الرديف لاتاسا الذي يرافق البعثة في أمريكا، و هو محتاج ليثبت أنه بديل جاهز في مركز رأس الحربة، و ذلك بعد أن تم استبعاد المهاجم الآخر مايورال الذي سيوقع لخيتافي، و المنطق يقول إن الفريق يحتاج لمهاجم قناص مجرّب و جناح أيمن، لكن هذا رهين ببيع بعض اللاعبين، و لو أن لا مؤشرات عن ذلك لحد الساعة…
فهل سيعمل أنشيلوتي مع “من حضر” كعادته أم أنه سيضرب على الطاولة للمطالبة بالتعزيزات، و هو شيء أستبعده جدّاً…!!!
الأكيد هو أن المنافسة ستكون على الوطيس محليا بعد أن رمم لابورتا فريقه و وضع تحت تصرف تشافي مجموعة متكاملة قوية ستعيد برشلونة للألقاب و التتويجات، أما أوروبيا فكل النوادي الكبرى أعدّت العدة كما ينبغي، البايرن و السيتي و باريس و تشيلسي كلهم يتحركون بقوة و يجلبون اللاعبين الكبار…
و الأكيد أيضا هو أن كارلو أنشيلوتي هو من سيدفع الثمن في حال عدم تحقيق النتائج، فرغم كل ما قيل، فلورنتينو بيريز رجل لا يرحم، و في حال عدم وجود نتائج سيخرج للصحافة ليعلن إقالة مدرّبه، و يقول إن القرار كان صعبا لكن لا بد منه، ثم يشكره على كل ما قدّم عبر بيان رسمي…
